من ساحات الحرب إلى مكاتب الإدارة: تطوّر مفهوم الاستراتيجية
تتبع هذه المقالة رحلة مفهوم الاستراتيجية من جذوره العسكرية عند كلاوزفيتز إلى الفكر الإداري الحديث عند بورتر ومنتزبرغ، لتوضح كيف أصبحت أداة لصنع الأثر لا للقتال.
كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة حول مفهوم الاستراتيجية وأهميته في الإدارة الحديثة، رغم أن المصطلح لم يكن في الأصل إداريًا، بل وُلد في أحضان الفكر العسكري. فقد استُخدم سابقًا لوصف فن إدارة المعارك وتوجيه الجيوش لتحقيق النصر، إذ كان الهدف دراسة الوسائل التي تضمن نجاح الدول في حروبها.
ومن أبرز من تناول المفهوم بعمق هو الخبير العسكري كلاوزفيتز (Clausewitz) الذي رأى أن جوهر الاستراتيجية يقوم على ترابط وتماسك ثلاثة عناصر رئيسية:
- تركيز القوات: لتحقيق التفوق الحاسم في موقع محدد.
- اقتصاد القدرات: لضمان الاستخدام الأمثل للموارد دون هدر.
- حرية التحرك: التي تتيح اتخاذ القرار السريع وفق متغيرات الميدان.
ومع تطور المجتمعات وتحوّل موازين القوة من الجيوش إلى الاقتصاد والمعرفة، انتقلت الاستراتيجية من ساحات الحرب إلى مكاتب الإدارة، لتصبح أداة فكرية تُستخدم في معارك السوق بدلًا من ميادين القتال.
فبينما كان القادة العسكريون يخططون للانتصار عبر تعبئة الموارد وتحليل مواقع العدو، أصبح المديرون يخططون لتحقيق الميزة التنافسية من خلال تحليل الأسواق، والمنافسين، والفرص المتاحة.
وقد قدّم المفكر مايكل بورتر (Michael Porter) رؤية استراتيجية حديثة ركّز فيها على بناء ميزة تنافسية مستدامة عبر ثلاثة محاور رئيسية:
- التميّز في التكلفة (Cost Leadership)
- التميّز في التفرّد أو الجودة (Differentiation)
- التركيز على قطاع محدد من السوق (Focus Strategy)
بينما أكّد هنري منتزبرغ (Henry Mintzberg) أن الاستراتيجية ليست مجرد خطة تُكتب على الورق، بل نمط متكرر في القرارات والسلوكيات يكشف كيف تفكر المؤسسة فعليًا، لا كما تُعلن في شعاراتها.
وهكذا، تحوّل مفهوم الاستراتيجية من كونه فن القتال العسكري إلى فن التفكير الإداري والتنظيمي، هدفه لم يعد تدمير الخصم، بل إدارة التغيير، وتحقيق النمو، وصنع الأثر في بيئة تتبدّل كل يوم.
📌 ملاحظة الباحثة
تُعد هذه مرئيات لتوثيق التفكير الإداري الواعي في المدونة، لتوضيح أن مستويات الاستراتيجية الثلاثة الكلاسيكية (الشركة، وحدات الأعمال، الوظائف) هي الأساس العلمي المعتمد، في حين تمثل المستويات الحديثة امتدادًا فكريًا يعكس تطور الفكر الإداري نحو المرونة والوعي المتكامل.
حين تلتقي الإدارة بالوعي... يولد الأثر.
هذا المحتوى يعكس رؤية شخصية، ولا يُسمح بإعادة النشر دون الإشارة للمصدر.
"الفكر مسؤولية… والكلمة أثر."
© saharadmin.com – 2025

تعليقات
إرسال تعليق