لماذا آدم سميث؟ فلسفة الإدارة والاقتصاد بين "ثروة الأمم" والسيرة النبوية

 





حين نختار أن نقارن، فنحن لا نضع الأشخاص على طاولة المفاضلة، بل نضع الأفكار على ميزان الوعي. ولعلّ من أبرز الأسماء التي تستحق الوقوف أمامها في فكر الإدارة والاقتصاد هو آدم سميث، الفيلسوف الاسكتلندي ومؤلف كتاب ثروة الأمم، الذي يُعدّ بمنزلة النص التأسيسي للاقتصاد الكلاسيكي الحديث. لكن ما الذي يدعو لربط هذا الاسم الغربي بالسيرة النبوية وكتابات علماء المسلمين الأوائل؟ ولماذا يكون سميث، تحديدًا، مرآة فكرية للمقارنة؟

1. لأنه الأب الروحي للاقتصاد… لكنه لم يكن مجرد اقتصادي

آدم سميث لم يكن تقنيًا يحلل الأرقام، بل فيلسوفًا أخلاقيًا يرى أن الإنسان لا يتحرك فقط بدافع المنفعة، بل أيضًا بدافع "التعاطف"، كما قال في كتابه الآخر نظرية المشاعر الأخلاقية. هذا التوازن بين المصلحة والقيم يُشكّل جسرًا هامًا للمقارنة مع الرؤية الإسلامية التي ترى الإنسان خليفة في الأرض، محاسبًا على قراراته، ومتوازنًا بين الروح والمادة.

2. لأن كتابه "ثروة الأمم" ناقش الإدارة من حيث لا يُسمّيها كذلك

في حديثه عن تقسيم العمل، سير سميث أعماق الإنتاجية والتنظيم، وربطها بـ حجم السوق. قال: "تقسيم العمل محدودٌ بمدى السوق." جملة تختصر الكثير من مفاهيم التخطيط، وتُشبه الطرح الإسلامي الذي يربط توزيع العمل بالقدرة والصلاح العام.

3. لأنه ناقش اللامساواة من زاوية طبيعة العمل

سميث أشار إلى أن بعض الوظائف تُنتج تفاوتًا طبيعيًا بين الناس في الأجور والفرص، وهو ما يوازي فكر الإسلام الذي ميّز بين التفاوت المشروع (بالجهد والكفاءة) والتفاوت المرفوض (بالاحتكار أو الاستغلال).

4. لأنه ربط الإنتاج بالنظام… لا بالفوضى الفردية

آدم سميث آمن بأن السوق تعمل بـ اليد الخفية، وهي شكل من أشكال التنظيم الذاتي. وهنا يتقاطع – وإن اختلف الأساس – مع الرؤية الإسلامية التي تربط الأداء بالنية، والحركة بالقيم، فالسلوك الإداري منضبط داخليًا لا خارجيًا فقط.

5. لأنه يُجسّد قمة النموذج الغربي… فنكشف من خلاله فرادة النموذج الإسلامي

اختيار آدم سميث لا يعني تبني فكره، بل لأنه مرآة تعكس ذروة الفكر الغربي في الاقتصاد والتنظيم. ومقارنته بالسيرة النبوية تكشف أن الإسلام لم يبدأ من حيث بدأ الغرب، ولم ينتهِ حيث انتهوا، بل سبقهم في صناعة الإنسان المتوازن المنتج، دون أن يخسر أخلاقه أو مجتمعه.

✦ خاتمة: المقارنة ليست جدلية… بل تأملية

لسنا في معركة أفكار، بل في رحلة فهم. آدم سميث في الغرب… والنبي ﷺ في قلب الشرق… وكلاهما، بطريقته، حاول أن يُجيب عن سؤال الوجود الإنساني داخل السوق والمجتمع. والإدارة الحقيقية، كما نراها، تولد من هذا التأمل العميق: كيف نبني إنسانًا منتجًا دون أن نخسر إنسانيته؟

📚 مصادر موثوقة:


حين تلتقي الإدارة بالوعي... يولد الأثر ‏
‏📝 تنويه: هذا المحتوى يعكس رؤية شخصية وأصيلة في مجال الإدارة وتطوير الذات، ولا يُسمح بإعادة النشر أو الاقتباس دون الإشارة إلى المصدر. ‏
"الفكر مسؤولية… والكلمة أثر."

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفكار إدارية نابضة من الميدان: عندما يتكلم الواقع

الإدارة العامة أم إدارة الأعمال؟ كيف ترسم رؤية 2030 حدود الدور القيادي؟

خريطة الإدراك: هل نرى الواقع كما هو؟